الأزياء السعودية.. موضع يستحق إلقاء الضوء
عندما يفكر المرء في المملكة العربية السعودية، فإن أول ما يتبادر إلى الذهن هو النفط، وهو أمر طبيعي.
اكتشفت كمية كبيرة من النفط في مارس/ آذار 1938، ولقد جعل هذا المورد الطبيعي من السعودية واحدة من أغنى دول العالم.
حتى بعد مرور 85 عامًا على اكتشاف هذا النفط، لم يقترب إنتاج السعودية من الانتهاء. لكن المملكة تهدف إلى تنويع مصادر دخلها والتوسع بعيدًا عن هذا المورد الطبيعي، وتتطرق إلى مجالات أخرى مثل الموضة، في سياق المبادرات التي أطلقتها الدولة مثل رؤية السعودية 2030.
تهدف هذه الرؤية، التي يدعمها ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، إلى تعزيز القطاعات العامة، مثل الثقافة، والسياحة، والصحة، والتعليم، والبنية التحتية، والترفيه، وتحاول أن تزيد الناتج المحلي الإجمالي غير النفطي من 16% إلى 50%، إلى جانب زيادة مساهمة القطاع الخاص في الناتج المحلي الإجمالي من 40% إلى 65%، بحسب هيئة الأزياء السعودية.
هيئة الأزياء السعودية
قبل عام 2020، لم تكن هناك منظومة تحكم الأزياء في السعودية. وكان لإنشاء هيئة الأزياء، بقيادة بوراك شاكماك، أثره الكبير، ومن المتوقع أن تسهم بنسبة 1.4% في الناتج المحلي الإجمالي للمملكة، أي نحو 12.5 مليار دولار من إجمالي القيمة المضافة.
أخبرني شاكماك في مقابلة: “لقد بنينا قطاع الأزياء هنا في السعودية من الصفر”.
شغل شاكماك سابقًا منصب عميد الموضة في مدرسة بارسونز للتصميم. ويحدثنا عما يختبره من مميزات، وما يواجهه من صعوبات في أثناء عمله بشغف على تطوير منظومة الموضة في المملكة العربية السعودية.
قال موضحًا: “كان التحدي الأكبر أمامنا هو الحصول على بيانات عن السوق، فقد كان من المهم للهيئة، وكذلك الشركات عبر سلسلة القيمة، اتخاذ قرارات مستنيرة قائمة على البيانات”.
يحتاج المستثمرون وأصحاب المصلحة والحكومة السعودية وقطاع الأزياء إلى البيانات لمساعدة قطاع الأزياء في المملكة على الازدهار، لكن نقص البيانات جعل أولى خطوات الهيئة عمل أول تقرير قائم على البيانات.
“سننشر التقرير في 27 يونيو/ حزيران في باريس، مباشرة بعد أسبوع الموضة للرجال، ثم نعرضه في نيويورك في أكتوبر/ تشرين الأول”. سيمثل التقرير الذي يحمل عنوان حالة الموضة في السعودية The State of Fashion in the Kingdom of Saudi Arabia نبراسًا للقطاع، إذ يحدد معطيات الأداء وحجم الفرص في المملكة، ونأمل أن تدعم هذه البيانات نمو القطاع.
استكمالًا للتقرير، سنُطلق أيضًا منصة إلكترونية تزود أصحاب المصلحة ببيانات عن القطاع. يقول شاكماك إن الهيئة تركز كل طاقتها على انتهاز الفرص جميعها، بما يطور سلسلة القيمة الخاصة بالأزياء.
تمثل الموضة، التي تدفعها مبيعات الجملة والتجزئة، نحو 1.8% (بنحو 230 ألف شخص) من إجمالي القوى العاملة السعودية، ومن هذه القوة العاملة تمثل المشاركة النسائية 52%. ويقول شاكماك: “إن قطاع الأزياء السعودي يجتذب المواهب المحلية”.
“ثمّة الكثير من المواهب بين الشباب السعودي بما يكفي لتزويد قوة عاملة عبر جميع قطاعات سلسلة قيمة الأزياء، بشرط أن نلهمهم ونستثمر فيهم”.
تقل أعمار نحو 63% من سكان المملكة البالغ عددهم 32.3 مليون نسمة عن ثلاثين عامًا بحسب ما أوردته رويترز في مايو/ أيار الماضي. وهو ما يعني أن ولي العهد بحاجة إلى توفير الوظائف لأكثر من 10 ملايين سعودي، بما يتماشى مع رؤية 2030. وهنا يمكن للأزياء أن تحدث فرقًا.
“يتسم الشباب السعودي بالطموح، وهم ينتهزون كل الفرص التي توفرها لهم رؤية 2030؛ وهو ما يعكس انخفاض معدل البطالة في السعودية، التي تهدف إلى خفض معدل البطالة إلى 7% من مستوى سابق بلغ 11.6% وزيادة مشاركة المرأة في القوى العاملة إلى 30% من 22%”.
يشرف شاكماك على هذه المنظومة المتكاملة من مصممين، وتجار تجزئة، وتطوير، وإنتاج، وملابس، وأحذية، ومجوهرات تلائم الأزياء التقليدية والحديثة، وعلى ما يبدو أنه يتسم بالتفاؤل والحماس فيما يخص نمو كل عنصر داخل المملكة.
برنامج 100 علامة تجارية سعودية
تقدم الهيئة مبادرات مثل 100 علامة تجارية سعودية Saudi 100 Brands، وهي عبارة عن برنامج تطوير مهني يساعد المواهب المحلية الناشئة على استثمار إمكاناتها الكاملة.
تتراوح أعمار المواهب في هذه المبادرة بين عشرين وسبعين سنة، إذ تلقى بعضهم تعليمه في مدارس تصميم دولية، فيما اعتمد آخرون على أنفسهم، وتمثل السيدات نحو 85% منهم، ومنهم مصممة الأزياء المعاصرة منى الشبل.
“تعد العبايات أيقونة الأزياء السعودية، وهي رداء طويل فضفاض تقليدي ترتديه النساء. أعاد المصممون السعوديون تصور العباءة، وحولوا التصميم التقليدي الأسود إلى قطعة متميزة”.
“لقد قمنا بتحديث تصميمها وجربنا أقمشة وقصات وألوان وزخارف مختلفة، وانتهينا إلى تصاميم حديثة متعددة الاستخدامات”.
تقول نور الظاهري، مصممة أخرى من المبادرة: “إن أكثر ما يميزنا هو رؤيتنا التي ولدت من ماضينا وتراثنا. نحن طموحون ومصرون على التميز في مجال الموضة من خلال عرض تصميماتنا المميزة والمختلفة للعالم، المستلهمة من ماضي مملكتنا القديم وطبيعتها”.
تشرح مصممة أخرى من المجموعة الأولى التي انضمت للمبادرة، وهي شهد الشهيل، ما يجعل علامتها التجارية فريدة من نوعها، وتقول: “إن رواية القصص الفريدة – التي تحمل روح الثقافة السعودية – يتأصل بداخلنا، يدعمنا في هذا الحرف اليدوية والحرفيين المحليين. وهو ما نترجمه في صورة تصميمات فريدة وعلامات تجارية لا يمكن مقارنتها بالآخرين”.
بهذه المبادرة، تحصل 100 علامة تجارية على فرصة للتألق على مسرح الموضة العالمي في أسبوع الموضة في نيويورك وميلانو بعد أن حصلت على إرشاد ودروس وورش عمل لأكثر من خمسة آلاف ساعة تحت قيادة المتخصصين والخبراء في القطاع.
يقول شاكماك: “منذ إطلاقها في يونيو/ حزيران 2021، استقبلت المبادرة السعودية آلاف المتقدمين”.
“ومن خلالها، تمكنا من الحصول على بيانات تخصص عدد ماركات الأزياء الموجودة في السعودية ونوعيتها. وأدركنا أن المملكة تمتلك الآلاف من المواهب الإبداعية المثيرة للإعجاب التي لا يعرفها أحد”.

دورة تدريبية في حدث الموضة Fashion Futures لعام 2022. مصدر الصورة: هيئة الأزياء السعودية
الدورات التدريبية
الشهر الماضي، تعاونت الهيئة مع المعهد الفرنسي الشهير Français de la Mode بحيث تقدم دورات للمصممين السعوديين الناشئين.
يستطيع المصممون التعلم أكثر عن القطاع من خلال دورتين، هما “Executive certificate in fashion business program” و”Fashion design program”.
تبدأ الدورة المذكورة سابقًا هذا الشهر بثلاثين طالبًا يتعلمون عن التسويق واستراتيجية الأعمال والبيع المرئي وتجارة التجزئة والإدارة المالية.
في حين تبدأ الدورة الأخيرة في 26 يونيو/ حزيران وتستمر حتى 13 يوليو/ تموز، ما يمنح 24 مصممًا خبرة ثقافية ومعرفة تقنية.
تغطي الهيئة رسوم الدورة. وبالنسبة لأولئك الذين سيبقون داخل السعودية، يمكنهم الالتحاق بـ 12 جامعة تقدم برامج البكالوريوس والماجستير والدكتوراه في المجالات المتعلقة بالموضة.
مبادرات أخرى
تقدم الهيئة مبادرات أخرى مثل Fashion Futures وElevate وIntermix Residency التي تعزز سلسلة قيمة منظومة الأزياء السعودية، ما يعزز مكانة المملكة في صناعة الأزياء العالمية.

(من اليسار إلى اليمين) ليزا أرمسترونغ، مديرة الأزياء UK Telegraph، والمصمم السعودي، محمد آشي، في حدث الموضة Fashion Futures لعام 2022. الصورة من هيئة الأزياء السعودية
شاركت الهيئة في أحداث عالمية مثل إكسبو دبي 2020، ومعرض Iron23 في نيويورك، ومعرض وايت ميلانو، ومهرجان البحر الأحمر السينمائي الدولي وغيرها.
تتمحور الموضة السعودية حول تضمين الثقافة التقليدية داخل تصاميم الأناقة العصرية. يقول بريك غراهام، المصمم الذي عمل مع العلامات التجارية الرائدة في مجال الأزياء من إستي لودر إلى كارل لاغرفيلد: “تظهر مقاييس جمال التصاميم السعودية في ثراء التفاصيل المعقدة مثل التطريز”.
يقول شاكماك: “سنفتتح استوديو تطوير المنتجات الجديد الخاص بنا بحلول نهاية عام 2023، وسيقع مقره في الرياض. جُهز المكان بأحدث التقنيات مثل آلات الحياكة ثلاثية الأبعاد والقطع بالليزر، بحيث يستطيع المصممون إنتاج نماذج أولية وعينات لتسريع دخولهم إلى السوق”.
كذلك وقعت الهيئة مذكرة تفاهم مع جامعة الملك عبد الله للعلوم والتكنولوجيا لدعم مركز البحث والتطوير للمواد المستدامة وتكنولوجيا المنسوجات.
وستواصل مبادرة اللجنة Elevate مناصرة المرأة من خلال العمل مع متخصصات مثل لورينز بومر، ولوري هيريارد دوبرويل، وكريستوف دي بوس، وفاليري هيرمان.
اختتم شاكماك قائلًا: “ليس من المستبعد أن يصبح قطاع الموضة محركًا للاقتصاد السعودي، ونحن في وضع قوي للغاية، خاصة مع وجود مجموعة من الشباب الموهوبين الذين يحرصون على تعلم وتطبيق مهاراتهم داخل مشهد الموضة السعودي الناشئ حديثًا”.