الأخبار

الرياح المعاكسة التي تواجه “تسلا” مصدرها إيلون ماسك

الرياح المعاكسة عبارة شائعة في عالم الشركات يمكن استخدامها لتوصيف الظروف التي تمرّ بها شركة “تسلا” لصناعة السيارات الكهربائية التي يرأسها إيلون ماسك.

هذا المصطلح المستعار من علم الأرصاد الجوية تستخدمه الشركات عادة لتبرير ضعف أدائها، وهو مألوف لدى كلّ من يفهم لغة الرؤساء التنفيذيين الأمريكيين، ولو أن استخدامه بات اليوم في محلّه أكثر من أي وقت مضى.

تواجه الشركات بجميع أنواعها انعدام يقين مذهل، بدءا من سياسات الرسوم الجمركية التي يفرضها الرئيس دونالد ترمب وما يقابلها من إجراءات انتقامية تتخذها الدول الأخرى، مروراً باحتمال وقوع أزمة مالية أو ركود الاقتصاد أو وقوع كلا الأمرين، وصولا إلى خطر أن يضغط ترمب على رئيس الاحتياطي الفيدرالي لدفعه نحو قرارات كارثية، بل ربما نهاية هيمنة الولايات المتحدة الاقتصادية والسياسية على العالم المستمرة منذ الحرب العالمية الثانية.

تراجع المبيعات

تثقل كل هذه المشاكل كاهل شركة “تسلا” التي أعلنت نتائجها المالية في 22 أبريل، كاشفة عن أحد أسوأ الفصول في تاريخها. فقد سجلت تراجعا في المبيعات، وانخفاضا في الأرباح، وخفضت توقعاتها المستقبلية، فيما اتسعت الفجوة بين توقّعات المحللين وأداء الشركة الفعلي خلال الأشهر الثلاثة الماضية.

سعى ماسك إلى التخفيف من وطأة هذا. كان تارةً يروّج لطموحاته في مجال المركبات ذاتية القيادة والروبوتات، وتارةً أخرى يلوم عوامل اعتبرها من وجهة نظره على الأقل خارجة عن سيطرته. فاشتكى من الرسوم الجمركية، ومن غضب العملاء بسبب ارتباطه بما يُسمّى وزارة الكفاءة الحكومية في إدارة ترمب، إضافة إلى ضبابية الوضع الاقتصادي بشكل عام. وقال خلال المكالمة الفصلية لمناقشة أرباح الشركة “رغم الرياح المعاكسة التي نواجهها على المدى القريب، فإن مستقبل تسلا أكثر إشراقاً من أي وقت مضى”.

مراوغ محترف

يتقن ماسك فنّ المراوغة، وقد استعرض خلال مكالمة مناقشة الأرباح مهارته هذه، ما انعكس إيجاباً على أداء سهم “تسلا”. لكن المفارقة أن ماسك نفسه لاعب أساسي مؤثّر في العوامل الخارجية ذاتها التي يشتكي منها. فالرياح المعاكسة، في واقع الأمر، تهبّ من داخل الـ”سايبرترك”.

قال ماسك: “أنا لست الرئيس” وكرر أن ترمب هو من يتخذ القرارات المتعلقة بزيادة الرسوم الجمركية. لا خلاف على هذا من حيث المبدأ، لكنه يغفل أن الرسوم كانت إحدى الركائز الأساسية لحملة ترمب وكان هو أكبر مموليها. حين كان يجوب بنسلفانيا، منفقاً مبالغ غير مسبوقة على الانتخابات، وصلت إلى حد 300 مليون دولار في غضون بضعة أشهر، ماذا كان يظنّ أنه سيشتري بذلك المال بالضبط؟

إحدى الإجابات المحتملة، بطبيعة الحال، هي وزارة الكفاءة الحكومية، التي اقترحها ماسك بنفسه على ترمب الصيف الماضي، وروّج لها منذ ذلك الحين على أنها ضرورة وجودية للولايات المتحدة، وربما للحضارة الإنسانية بأسرها.

لكن ما لم يأخذه ماسك في الحسبان هو أن تقمّصه دور مستشار إداري، والتفاخر باقتطاع التمويل من بنوك الطعام والعاملين في الإغاثة التابعة لمؤسسات دينية، لا يحظى بشعبية واسعة.

وخلال مكالمة مناقشة الأرباح، أقرّ مساعدو ماسك بأن تحوّله من رأسمالي صديق للبيئة يحظى بتقدير واسع، إلى شخصية استفزازية مرتبطة بترمب، بدأ ينعكس سلباً على مبيعات الشركة. وقد عبّر مدير “تسلا” المالي، فيبهاف تانيجا، عن ذلك بدبلوماسية، مشيراً إلى أن الشركة تواجه “عداءً غير مبرر تجاه علامتها التجارية”، مصوراً ذلك وكأنّه نشأ من عدم. أما ماسك، فبحسب روايته خلال المكالمة، لا يرى هو الآخر ذنباً له في كلّ ما يحدث.

تراجع شعبية ماسك

ألقى ماسك باللوم على التظاهرات التي قال إنها مموّلة بـ “أموال حُصل عليها بطريقة احتيالية” تعود إلى البرامج التي تسعى وزارة الكفاءة الحكومية إلى تقليصها.

لكن، بصرف النظر عن أن هذا الادعاء لا يعكس صورة إيجابية عن وزارة الكفاءة الحكومية نفسها، وأن النشطاء نفوا أن يكونوا قد دفعوا أي مبالغ للمتظاهرين، فإن مزاعمه تتعارض بوضوح مع التراجع الملحوظ في شعبيته بحسب استطلاعات الرأي، ناهيك عن نتائج الانتخابات الأخيرة للمحكمة العليا في ولاية ويسكونسن التي انخرط فيها بكل ثقله وماله، ليخسرها في نهاية المطاف.

فلم يعد الحنق على ماسك حكراً على خصومه المفضلين، أي الإعلام والجماعات اليسارية التي توجّه إليه سهامها.

يدرك المستثمرون، حتى أكثرهم حماسة تجاه “تسلا”، هذه الحقيقة جيداً. دان آيفز الذي وصف منذ بضعة أشهر دعم ماسك لترمب بأنه “يغير قواعد اللعبة” و”رهان تاريخي”، دعاه قبل بضعة أيام من مكالمة مناقشة الأرباح إلى الانسحاب من العمل الحكومي والتركيز على إدارة “تسلا”.

كتب آيفز في مذكرة في 19 أبريل، نقلتها زميلتي والمشاركة في بودكاست (Elon, Inc.) دانا هال: “كل من يعتقد أن الضرر الذي ألحقه ماسك بالعلامة التجارية ليس حقيقياً، عليه أن يتحدث مع مشتري السيارات في الولايات المتحدة وأوروبا وآسيا… ذلك كفيل بتغيير رأيه”.

استمرار ارتباط ماسك بترمب يترك أثره في “تسلا”

لعلّ الخبر الأبرز الذي جاء من مكالمة مناقشة الأرباح، إلى جانب وعود ماسك المتكررة منذ قرابة عقد بمستقبل جريء تقود فيه السيارات نفسها دون إنجازات تُذكر تُضفي على تلك الوعود مصداقية، هو إعلانه عزمه تقليص انخراطه في وزارة الكفاءة الحكومية. إذ قال: “أعتقد أنني، ابتداء من مايو المقبل، سأقلّص بقدر كبير الوقت الذي أخصصه لوزارة الكفاءة الحكومية”.

في الواقع، لم يكن هذا الإعلان مفاجئاً أو حتى مهماً بقدر ما يبدو. فمنذ انطلاق إدارة ترمب، كان واضحاً أن دور ماسك في واشنطن سيكون محدوداً بحكم صفته كـ “موظف حكومي خاص”، وهي فئة من الموظفين الاتحاديين لا يُسمح لهم بالعمل بدوام كامل لأكثر من 4 أشهر في السنة.

علاوة على ذلك، شدّد ماسك على أنه، رغم اعتقاده بأن عمل وزارة الكفاءة الحكومية “أُنجز بمعظمه”، وهو ادعاء مستغرب نظراً إلى أن الوزارة ما تزال بعيدة عن تحقيق هدفها بخفض تريليوني دولار من الموازنة الاتحادية، فهو لا ينوي التخلّي عن دوره كأحد مستشاري ترمب الأكثر حماسة.

قال إنه سيواصل تخصيص “يوم أو يومين في الأسبوع” لتقديم المشورة لترمب على مدى السنوات الثلاث والنصف المقبلة، “لضمان ألّا يعود الهدر والفساد اللذان وضعنا حداً لهما”، يبدو أن بوفيه الإفطار في مارالاغو ليس سيئاً أيضاً.

تخصيص يومين في الأسبوع التزام كبير بالنسبة لرجل يدير ست شركات، ويعني عملياً أن ماسك سيبقى مرتبطاً بسياسات ترمب التي تواجه الرفض الأكبر لدى الرأي العام في المستقبل المنظور.

ولا يعني ذلك أن ماسك لن يستفيد من استمراره في التقارب مع أقوى رجل في العالم، فثمّة مؤشرات واضحة على سعيه لترسية عقود حكومية على شركاته الأخرى، ولا سيّما “سبيس إكس”، لكن في المقابل، فإن تلك “الرياح المعاكسة” التي تحدّث عنها خلال مكالمة “تسلا” لن تتبدّد في أي وقت قريب.

مشاركة:

السياحة في تركيا
Tourism in Turkey
Türkiye'de Turizm