الأخبار

لماذا الحرب على الليرة التركية.. وما تداعيات رفع سعر الفائدة؟

تشهد تركيا منذ أغسطس الماضي حربًا اقتصادية تشنّها الولايات المتحدة الأمريكية بمعاونه منظمات التصنيف الائتماني، التي تعد معول هدم بيد القوى الدولية لضرب اقتصاد أي دولة تخرج عن الطوع الأمريكي وتحيد عن الدور المرسوم لها في المنطقة.

وقد أكد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان لوكالة الأناضول: ” أن ارتفاع سعر صرف العملات الأجنبية مقابل الليرة يرجع إلى عدم تجاوبنا مع طلبات الولايات المتحدة التي تمسّ سيادتنا” وهو ما يشير إلى أن المسألة سياسية بحتة.

في كتاب “اعترافات قاتل اقتصادي” أوضح الكاتب وليم جون بركنز استراتيجية تعامل الدول الكبرى والمؤسسات المالية مع الدول التي لا تخضع لسياستها وتخرج عن عباءة طوعها فيقول “هدفنا هو تحويل قادة البلدان المستهدفة ليصبحوا جزءاً من شبكة واسعة مهيأة لتحقيق المصالح الأمريكية بالمنطقة، وفي نهاية المطاف يقع هؤلاء القادة في مصيدة الديون، مما يجعلنا نساهم دون شك في خلق مشاكل اقتصادية لهم، الأمر الذي يجعلهم يتخذون مواقف موالية لنا، ووقتها نستخدمهم لتحقيق أغراضنا السياسية والعسكرية”.

ويضيف الكاتب “تلك المنظومة يقف وراءها البنك الدولي، وصندوق النقد الدولي، والحكومة الأمريكية، وجهاز المخابرات الأمريكي، في الحقيقة أننا لا نؤيّد سوى الأنظمة الشمولية والديكتاتورية والطغاة أينما كانوا لأنهم يساعدوننا على توسيع رقعة المصالح الأمريكية، ونُطيح بالزعماء الذين جاءوا بطريقة ديمقراطية إذا رفضوا تحقيق رغباتنا “.

وبحسب اقتصاديين أتراك، فقد اتخذت تركيا من الاقتصاد بوابة رئيسة للدخول في أروقة الدول الكبرى وحجز مقعد بين الدول العشرين الأكفأ اقتصاديا في العالم، وكان لزاما عليها أن تُبدي الاهتمام بتطبيق إصلاحات اقتصادية، وانفتاح تجاري على دول الاتحاد الأوروبي بحكم الجغرافيا والتفوق الاقتصادي امتدادا إلى الولايات المتحدة الأمريكية كعامل جذب للمستثمرين وبث الثقة في الاقتصاد، ما جعل تسارع نمو اقتصادها في ازدياد دائم، وجعلها من الدول المانحة في المساعدات الإنمائية، حيث بلغ حجم مساعداتها الخارجية عام 2016 نحو 3مليار دولار.

ويشير هؤلاء، إلى أن تركيا تعد منذ الأزمة المالية العالمية عام 2008 من أفضل الدول من حيث معدل النمو الاقتصادي مقارنة بغيرها من دول أوروبا، كما أنها استعادت عافيتها في وقت سريع من الآثار السلبية للأزمة المالية العالمية وكذلك من الآثار السلبية للأزمة المالية التي ما زالت تعيشها اقتصادات العديد من الدول الأوروبية، لكن كعادة الولايات المتحدة لا تقبل لحلفائها الخروج عن فلك سياستها وعدم تبنّي رؤيتها السياسية تجاه العديد من القضايا في المنطقة.

كيف كانت البداية

وبحسب ما يقول مختصون فإنه من المعلوم أن من يتحكم في السيطرة على الأسواق المالية في العالم هي الدول الكبرى المتمثلة في الولايات المتحدة الأمريكية عن طريق البنك المركزي المعروف باسم ” Federal reserve “والاتحاد الأوروبي عن طريق البنك المركزي المعروف باسم ” ECB” والمملكة المتحدة عن طريق البنك المركزي الإنجليزي ” ” Bank of England وهؤلاء هم اللاعبون الرئيسيون في تحريك السوق المالية والاقتصادية ويتحكمون ب 70% إلى 80% من حركته.

ويضيف هؤلاء، أن الولايات المتحدة الأمريكية وحدها قادرة على التحكم ب 50% من حركة السوق العالمية، وبما أن جميع اللاعبين الكبار حلفاء لواشنطن تكون الولايات المتحدة هي اللاعب رقم واحد في العالم وهي من يتحكم بالسوق وتضبط حركاته وسكناته وفقا لمصالحها، بالإضافة إلي بعض البنوك الكبرى والشركات متعددة الجنسيات، لكنها في النهاية تدور في فلك المتحكم الأول وهي أمريكا، ويقتصر دور تلك المؤسسات على دفع السوق للأمام بعد كل قرار تتخذه الولايات المتحدة لتحقيق الهدف المطلوب. وقبل أن نعرف كيف كانت الحرب على الليرة يجب أولا أن نعرف كيف تتحرك أسواق المال العالمية.

ويذكر أستاذ المنشآت النفطية والدولية منذر عبد الله القحيط على حسابه في موقع “فيس بوك”، أن حركة الأسواق تتحرك في إطارين اثنين أولا الحركة الطبيعية وتكون عن طريق القرارات الاقتصادية للدول وعادة تكون لحل مشكلات وأزمات داخلية كقيام بعض البنوك المركزية برفع أو خفض الفائدة لحل أزمة مالية أو اقتصادية، فإن هذا الحدث يؤثر على حركة السوق، بالإضافة إلى الكوارث الطبيعية والتي تلعب دورا هاما في حركة السوق، وكذلك الأزمات السياسية بين الدول والحروب، باختصار شديد تقوم هذه الحركة على العرض والطلب.

وبحسب القحيط فإن الإطار الثاني لحركة الأسواق فهي الحركة غير الطبيعية، مشيرا إلى أن هذه الطريقة مدفوعة بالمؤامرات والمكائد السياسية التي تقوم بها الدول الكبرى مثل الولايات المتحدة، والاتحاد الأوروبي، وبريطانيا، ولا علاقة لها بقوة أو ضعف اقتصاد الدول مثل ما يحدث مع تركيا.

ويضيف “بهذه الطريقة كانت الحرب على الليرة التركية، وقد بدأت المؤامرة عندما خرج الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ووجّه تهديداته لتركيا بشأن احتجاز القس برانسون، ووعد بإجراءات اقتصادية حازمة ضدها، ليعطي انطباعا أن هناك مشكلة اقتصادية مستقبلية ستمرّ بها البلاد، ثم فرضت عقوبات على وزيري العدل والداخلية التركيين، إضافة إلى فرض رسوم جمركية على الحديد والألومنيوم الوارد من تركيا”.

ويردف القحيط “ثم جاء دور البنك المركزي الأمريكي ليدخل مباشرة على الخط، وقام بعمليات شراء كبيرة للدولار الأمريكي أمام الليرة التركية، وبعد أن تحرّك السوق ركبت البنوك العملاقة الموجة وقامت بدفع السوق إلى المزيد من الحركة لتهبط العملة التركية”.

ويتابع “ثم يأتي دور وكالات التصنيف الائتماني لتخفض من تصنيف تركيا الائتماني على أنها دولة غير مستقرة وبيئتها غير قابلة للاستثمار لتكتمل الخطة وتتهيأ الأرضية المطلوبة لزعزعة الثقة في الاقتصاد التركي مما يؤدي إلى هروب المستثمرين وهبوط سعر الصرف للعملة التركية”.

ويشير القحيط في هذا الصدد، إلى أن لعديد من الخبراء الاقتصاديون في بورصة نيويورك “أوضحوا أن مقدار حجم التداول الذي تم على الدولار مقابل الليرة التركية الجمعة الماضية بلغ تقريبا 2 ترليون دولار، علما بأنّ التداول اليومي في سوق العملات يتراوح بين 5 إلى 6 ترليون دولار أمريكي يوميا، أي أن مقدار حجم صفقات بيع الليرة التركية أمام الدولار الأمريكي بلغ 2 ترليون دولار تقريبا أي بنسبة ثلث حجم التداول اليومي”، معتبرا أن هذا هو “السبب الرئيس في تدهور سعر الليرة بهذا الشكل”.

ويشدد القحيط على أن هذا الأمر “يوضح أن تدهور سعر صرف الليرة التركية سببه حربا أمريكية منظمة لكسر شوكة الاقتصاد التركي، وليّ ذراع تركيا لإجبارها على العودة إلى الحظيرة الأمريكية كغيرها من الدول الأخرى”.

تدابير اقتصادية

سعت تركيا لمعالجة الهبوط المستمر لليرة عن طريق اتخاذ حزمة قرارات تحد من تدهورها، فاتخذ البنك المركزي قرارًا برفع سعر الفائدة بنسبة كبيرة وصلت إلى 24% ، وأصدرت الحكومة التركية قرارًا يحد من التعاملات بالدولار في سوق العقارات، بالإضافة إلى زيادة الضريبة على الودائع بالدولار الأمريكي، مقارنة بغيرها من العملة التركية كنوع من الترشيد للطلب على العملة الأمريكية من أجل خلق توازن في السوق ولاستعادة الليرة التركية قيمتها.

وجاءت هذه القرارات بانعكاس إيجابي على الليرة في استعادة عافيتها بشكل نسبي أمام الدولار، لكن هذه الخطوة وحدها لا تكفي، فبحسب رأي الاقتصادي عبد الحافظ الصاوي لوكالة أنباء “نيو ترك بوست”، فإن أن الاعتماد على رفع سعر الفائدة قد يكون جيدا في المدي القريب، لكنه قد يضر بالمشاريع الناشئة نظرا لارتفاع تكلفة التمويل خاصة في اقتصاد دول مثل تركيا الذي تعتمد فيه المؤسسات الاقتصادية بشكل كبير على التمويل البنكي، وحصول المستثمر على تمويل بسعر فائدة بنحو 24% من شأنه أن ينعكس على تكلفة الإنتاج بالزيادة.

ويضيف الصاوي، أن ذلك “قد يتسبب في تراجع تنافسية المنتجات التركية في السوق المحلية، ويؤثر على الصادرات خلال الفترة القادمة”.

بدوره يقول الباحث في الشأن الاقتصادي ياسر التركي لـ”نيو ترك بوست”، إن قرار رفع البنك المركزي التركي لسعر الفائدة “أثّر إيجابا على قيمة الليرة التركية حيث ارتفعت قيمتها أمام الدولار الأمريكي من 6.50 إلى 6.010 عقب إصدار القرار، إلا أن ذلك كان له تأثير على المدى القصير لأن رفع سعر الفائدة لا يناسب الاقتصاد التركي في هذه الظروف التي تعيشها تركيا سياسيا وعسكريا”.

وعن سلبيات رفع سعر الفائدة يشير التركي، إلى أن ذلك “يزيد من حركة الأموال الساخنة في تركيا والتي تؤثر سلبا بشكل كبير في حال خروجها من البلاد، وتخوّف المستثمرين من الدخول إلى السوق في ظل ارتفاع تكلفة الإقراض فيتجه المستثمر إلى وضع الأموال في البنوك لأنها أكثر جدوى وفائدة من استثمارها في أي شكل آخر”.

ويرى التركي، أن أسباب تدهور العملة التركية في الآونة الأخيرة “يعود لأسباب داخلية وهي تكمن في العجز في الميزان التجاري التركي، ورفع سعر الفائدة بشكل كبير والذي جعل تركيا تحتل المرتبة الثالثة عالميا من حيث معدلات الفائدة، فضلا عن الأسباب الخارجية الأكثر تأثيرا على الاقتصاد التركي كالتوتر الحاصل بين تركيا والولايات المتحدة الأمريكية في الكثير من الملفات العالقة بينهم”.

وبخصوص تأثير قرارات تخفيض شروط منح الجنسية التركية للمستثمرين يضيف التركي، أن هذا الإجراء “جيد في أسلوب تعامل الحكومة مع المستثمرين في ظل وجود عدد كبير من المستثمرين العرب، حيث يؤثر إيجابا من حيث زيادة جلب الاستثمارات وتوطينها في تركيا مما سيساعد على إزالة المعوقات التي تواجه المستثمرين كالإقامة وحرية التنقل والتقرير الأمني، وبقاء المستثمرين في عالم مفتوح للاستثمار ما يخدم البيئة الاستثمارية كاملة في تركيا”.

ويردف التركي، “كما أن هناك كثير من المستثمرين يرغبون في الحصول على الجنسية التركية لما تتمتع به تركيا من مزايا واستقرار في وقت تمرّ به المنطقة باضطرابات سياسية وأمنية، وبالتالي فإن قدومهم إلى تركيا يحرك القطاعات المختلفة ومنها الصناعية والعقارية، ويزيد من وتيرة تنفيذ المشاريع الاستثمارية”.

ويتابع التركي، أنه “من الناحية الاجتماعية كذلك فإن هذا القرار يحمل جانبا اجتماعيا من حيث إتاحة المجال لمنح الجنسية لعائلات المستثمرين ما سيعزز من حماسهم للقدوم والبقاء في تركيا لإدارة استثماراتهم”.

لكن مازال هناك أملا يلوح في الأفق لارتفاع سعر الليرة واستعادة عافيتها من جديد، فالاقتصاد التركي مستمر في ارتفاع معدل النمو، فبحسب البيانات الحكومية التركية، فإن النمو الاقتصادي حقق 5.2% خلال الربع الثاني من 2018 ما يشير إلى أن هناك تحسن إيجابي بالرغم من هبوط سعر الصرف.

كما أعلن وزير الخزانة والمالية التركي “براءت ألبيرق” في مؤتمر عقد اليوم الخميس في مكتب رئاسة الجمهورية التركية بقصر “دولمة بهجة” بمدينة إسطنبول عن الخطة الاقتصادية المتوسطة المدى الجديدة، مشيرا إلى أن هناك ثلاث قواعد رئيسة يقوم عليها البرنامج الاقتصادي الجديد لبلاده، وهي التوازن والانضباط والتغيير.

وقال ألبيرق “من خلال البرنامج الاقتصادي الجديد نهدف لجعل نسبة عجز الموازنة إلى الناتج المحلي الإجمالي 1.9% خلال العام الجاري، و1.8% خلال العام القادم، و1.9% خلال 2020، و1.7% خلال 2021”.

وأضاف “حددنا أهداف النمو في البرنامج الاقتصادي الجديد بـ 3.8% لعام 2018، و2.3% لعام 2019، و3.5% لعام 2020، و5% لعام 2021”.

وأكد ألبيرق أن أهداف البرنامج الاقتصادي الجديد “ستتحقق في الأعوام الـ 3 القادمة بما يتوافق مع واقع البلاد، وقدرة الإدارة الاقتصادية على اتخاذ القرارات السريعة.

 

المصدر/نيوترك برس

 

مشاركة:

السياحة في تركيا
Tourism in Turkey
Türkiye'de Turizm