الأخبار

4 تحديات أمام السعودية لقطف ثمار الذكاء الاصطناعي الاقتصادية

خلال الانهيار الذي أصاب الأسهم العالمية الأسبوع الماضي، كانت شركات التكنولوجيا العملاقة التي ارتفعت أسهمها لمستويات قياسية خلال العام مدفوعة بزخم الذكاء الاصطناعي، الخاسر الأكبر. هذه الكبوة ألقت بظلالها على هذا القطاع مالئ الأسواق وشاغل الشركات والدول.  

السعودية ليست بمنأى عن التحديات العالمية لعالم الذكاء الاصطناعي، لكن حداثته وطبيعته “المتحركة”، تولّدان تحديات محلية أيضاً، تعمل المملكة على تذليلها لتحقيق أقصى استفادة من دمج الذكاء الاصطناعي بمختلف جوانب الاقتصاد. يأتي استهلاك هذه التكنولوجيا بدل تطويرها، وندرة المواهب، والبنية التحتية اللازمة لتطوير هذا القطاع، بالإضافة إلى قلة الإنفاق على البحث والتطوير مقارنةً بالدول المتقدمة، على رأس هذه التحديات، وفق خبراء تحدثوا لـ” اقتصاد الشرق مع بلومبرغ”. 

تشير غالبية التقارير والتوقعات إلى أن دور الذكاء الاصطناعي في الاقتصادات خلال السنوات المقبلة سيكون محورياً. وتلفت دراسة لشركة “بي دابليو سي” للأبحاث إلى أن مساهمته في الاقتصاد العالمي يمكن أن تصل إلى 15.7 تريليون دولار بحلول 2030، في حين أن مساهمته بالاقتصاد السعودي مرشحة لتجاوز 135 مليار دولار بنهاية العقد.

حكومة السعودية أدركت أهمية هذا القطاع مبكراً، فأطلقت بنهاية 2020 الاستراتيجية الوطنية للبيانات والذكاء الاصطناعي، والتي مكنتها من تبوؤ المرتبة الأولى عالمياً على مؤشر الاستراتيجية الحكومية ضمن التصنيف العالمي للذكاء الاصطناعي الصادر عن “تورتواز إنتليجنس” العام الماضي.

يقيس المؤشر عمق التزام الحكومات بالذكاء الاصطناعي، والتزامات الإنفاق والاستراتيجيات الوطنية، وهو واحد من عدة مؤشرات مرتبطة بالذكاء الاصطناعي يدرسها التصنيف العالمي في 62 دولة.

قضية شائكة

توافر المواهب وتنميتها يأتي في مقدمة التحديات التي تواجهها السعودية، لتمكين الذكاء الاصطناعي وتحقيق الإفادة القصوى منه اقتصادياً. إذ يصنف تقرير “تورتواز” السعودية بالمرتبة 52 عالمياً على هذا المؤشر. ويصف عاصم جلال، استشاري العلوم الإدارية وتكنولوجيا المعلومات بشركة الاستشارات “جي آند كي مانجمنت كونسالتينغ” (G&K Management Consulting)، هذا الواقع بأنه “قضية شائكة”.

وأوضح أن القطاع “متغير، والمواهب تتغير معه بشكل سريع”، لذلك “لا بد من إيجاد توازن لتلبية احتياجات السعودية بين جذب المواهب العالمية، وتنمية المواهب المحلية”. 

هذا الأمر لا يخلو من الصعوبة، لكن النجاح في إيجاد هذا التوازن، بالتزامن مع “التطبيق المرن للتشريعات المستحدثة” التي تدعمه، “قد يمنحا السعودية ميزة تنافسية لا تتوفر لدى الكثير من اللاعبين الآخرين في الأسواق العالمية والإقليمية”، وفق جلال.

اتخذت السعودية خلال الأشهر القليلة الماضية خطوات عدّة تصب في إطار جذب المواهب، ففي يناير أعلنت عن 5 فئات جديدة من تأشيرة الإقامة المميزة بهدف استقطاب المستثمرين وروّاد الأعمال وأصحاب الكفاءات، كما اتفقت في سبتمبر الماضي، مع الهند الرائدة بمجال التقنية والبرمجيات، على تسهيل الوصول إلى المواهب والموارد بين البلدين.

تطوير الكوادر المحلية

أورد تقرير “رؤية 2030″، الصادر في أبريل، أن السعودية تعمل على تطوير مجال الذكاء الاصطناعي، وتعزيز التعاون الدولي عبر تنظيم العديد من الفعاليات والقمم الدولية المتعلقة بهذا القطاع، إضافةً إلى توقيع اتفاقيات استراتيجية مع شركات عالمية بمجال التكنولوجيا، وتدريب الكوادر المحلية في هذا الجانب وتعزيز قدراتها.

كان آخر هذه الشراكات، تعاون المملكة مع “آي بي أم” العالمية لتطوير نظم الذكاء الاصطناعي العربية، إلى جانب إطلاق شركة “آلات”، التابعة لصندوق الاستثمارات العامة، لبرنامج تدريبي بمجال الذكاء الاصطناعي لأفضل طلاب العلوم والهندسة السعوديين، بالشراكة مع “جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية” (كاوست)، يتضمن أيضاً معسكرات تدريبية في “جامعة أكسفورد”.

“آلات” التي أعلنت عن إضافة وحدتي أعمال جديدتين، مرتبطتين بالتحول الكهربائي، والبنية التحتية للذكاء الاصطناعي التي يُتوقع أن يصل حجم أعمالها إلى 460.5 مليار دولار بحلول 2033، أعلنت أيضاً، في مايو، عن اتفاقية تعاون استراتيجية مع شركة “لينوفو” تهدف لجعل المنطقة “مركزاً عالمياً للابتكار” مع التركيز على تعزيز المواهب المحلية.

بناء المنظومة

بموازاة العمل على تنمية الكوادر المحلية، تسعى السعودية أيضاً إلى جذب الشركات العالمية المتخصصة بالتكنولوجيا والذكاء الاصطناعي. 

وشهدت الآونة الأخيرة إعلان كيانات عملاقة، على غرار “أمازون” و”غوغل” و”مايكروسوفت” و”علي بابا” الصينية، عن نقل مقارها الإقليمية إلى العاصمة الرياض، وضخ استثمارات في مجالات الذكاء الاصطناعي والبنية التحتية السحابية في المملكة.

لكن جذب الشركات وحده لا يكفي لبناء صناعة ذكاء اصطناعي محلية رائدة إقليمياً وقادرة على المنافسة دولياً، إذ من الضروري إنشاء “منظومة عمل متكاملة، تمكّن البلاد من تحقيق مستهدفاتها، بحسب جوزف وهبة، الرئيس التنفيذي لشركة “دايملاس” (daimlas) المتخصصة في بناء منظومة العمل للذكاء الاصطناعي والتي تتخذ من مدينة بوسطن الأمريكية مقراً، مشدّداً على أهمية الاستراتيجية الحكومية لبناء هذه المنظومة، ومعتبراً أن خلق الحكومة للبيئة الداعمة “يجذب بقية المنظومة للدخول إلى هذا القطاع”.

لفت وهبة إلى أنه “لا يمكن لأحد تسجيل أفضل أداء في كل المؤشرات”، وبالتالي “يجب معرفة نقاط القوة لديك والعمل على استغلالها”، والسعودية لديها “الإصرار الحكومي على إنجاح هذا القطاع، والقدرة على الإنفاق في سبيل تحقيق ذلك”.

إنفاق المليارات

الاهتمام السعودي بهذا القطاع ظهر جلياً من خلال إعلان ياسر الرميان، محافظ صندوق الاستثمارات العامة، في قمة “الأولوية” على هامش “مبادرة مستقبل الاستثمار”، أن المملكة مؤهلة لأن تكون مركزاً أساسياً ومهماً للذكاء الاصطناعي خارج الولايات المتحدة، نظراً لـ”امتلاكها الطاقة والتمويل والإرادة السياسية والبيئة العامة”.

وأفادت صحيفة “نيويورك تايمز”، في تقرير مؤخراً، بأن السعودية تدرس تأسيس صندوق للاستثمار بالذكاء الاصطناعي بقيمة تصل إلى 40 مليار دولار. وكانت حكومة المملكة أعلنت عزمها استثمار 20 مليار دولار في الذكاء الاصطناعي بحلول 2030.

لا يزال من غير الواضح كيف ستتوزع هذه الاستثمارات، وما إذا كانت ستخصص بشكلٍ أساسي لشراء حصص في شركات عالمية، أم لتطوير القطاع محلياً. ويرى وهبة أنه في حال كان الاستثمار مخصصاً لشراء حصص في شركات، فإن ذلك سيساهم في زيادة ربحية وأصول المملكة، ما يمكنها من زيادة الإنفاق في الداخل، إضافة إلى “بناء شراكات مع أبرز الفاعلين العالميين في هذا المجال، لجذبهم في مرحلة لاحقة إلى السعودية وفتح مراكز فيها، وربما نقل التكنولوجيا إليها”.

من جهته، اعتبر جلال أن عزم السعودية استثمار هذا المبلغ يمكن أن يغير ويحسن من مكانة المملكة في مؤشرات التصنيف الأخرى خلال المستقبل القريب. لكنه اعتبر أن من الضروري وجود “تركيز مساوٍ على البحث والتطوير أسوةً بالاستثمار”.

البحث والتطوير

يمثل البحث والتطوير ركيزة أساسية لتهيئة البنية التحتية المحلية للذكاء الاصطناعي. وجاءت المملكة في تصنيف “تورتواز” بالمرتبة 41 على مؤشر التطوير و37 على مؤشر الأبحاث. 

في أبريل الماضي، شدد ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، خلال مشاركته في جلسة حوارية خاصة ضمن الاجتماع الخاص للمنتدى الاقتصادي العالمي الذي أقيم في الرياض، على ضرورة ضخ المزيد من الاستثمارات في مجالات البحث والتطوير.

أنفقت المملكة على البحث والتطوير نحو 19.2 مليار ريال (نحو 5.1 مليار دولار) في عام 2022، بارتفاع نسبته 33% عن العام الذي سبقه، وفقاً لـ”الهيئة العامة للإحصاء”. وكان الإنفاق الحكومي المحرك الرئيس لهذا النشاط، إذ بلغت نسبته 58% من مجمل الإنفاق.

رغم نمو إنفاق السعودية بنسبة ملحوظة، إلا أن حجمه لا يزال محدوداً ضمن مصاف كبرى الاقتصادات. فالمراكز الأكاديمية الأميركية، مثل جامعة “هارفارد” و”معهد ماساتشوستس للتقنية” الذي يضم أكبر مختبر في العالم للذكاء الاصطناعي، أنفقت وحدها نحو 97.8 مليار دولار عام 2022 على البحوث والتطوير، وهو رقم “متواضع” إذا ما قورن بإنفاق شركات الولايات المتحدة، والذي بلغ عام 2022 نحو 655 مليار دولار.

أما الصين، فاعتمدت على طريقة مختلفة تتمثل بتعزيز مفهوم “البطل القومي”، أي تخصيص دعم حكومي كبير لشركات محددة لتصبح رائدة في هذا المجال، على غرار ما فعلت مع “هواوي”. وأنفق التنين الآسيوي 458.5 مليار دولار العام الماضي على البحث والتطوير، بزيادة نسبتها 8.1% على أساس سنوي، وفق وزير العلوم والتكنولوجيا يين هي غون في تصريحات نقلتها وكالة “شينخوا” الصينية.

استهلاك التكنولوجيا

يلقي أنس الفارس، المؤسس والرئيس التنفيذي لشركة “إنتلماتكس” للذكاء الاصطناعي، الضوء على عائقين رئيسيين أمام دمج الذكاء الاصطناعي في المؤسسات العامة والخاصة في السعودية.

وأوضح أن العائق الأول يتمثل في أن تقنيات الذكاء الاصطناعي “تغطي مناطق جغرافية معينة ومدربة على بيانات من تلك المناطق، بينما دول المنطقة تلجأ إلى استيراد هذه التقنيات”. أما العائق الثاني، فهو أن “التقنيات الحالية المخصصة للمؤسسات تعد صعبة الاستخدام، ومخصصة لأشخاص من أصحاب الخبرات العالية بمجال الذكاء الاصطناعي”. 

حديث الفارس يذكر بتصريحات وزير الصناعة والثروة المعدنية بندر الخريف على هامش إطلاق شركة “آلات”. حيث أشار آنذاك إلى أن الشركة التي أعلن عنها الأمير محمد بن سلمان في فبراير، تسعى لتقديم منتجات نهائية للمستهلكين، بالإضافة إلى المساهمة في تطوير التكنولوجيا محلياً بدلاً من استيرادها، وهو ما أكد عليه أيضاً الرئيس التنفيذي للإدارة الاستراتيجية في شركة “آلات” أحمد عالم في مقابلة سابقة مع “الشرق”.


المنظومة التعليمية

على المدى الطويل، فإن ملء منظومة عمل الذكاء الاصطناعي السعودية بالمواهب المحلية “يحتاج إلى البدء من القاعدة أي من المراحل الدراسية الأولى وصولاً إلى الجامعات” وفق وهبة.

 أطلقت “الهيئة السعودية للبيانات والذكاء الاصطناعي” (سدايا) العديد من البرامج والمبادرات بهدف تزويد الطلاب بالمعلومات الأساسية بشأن الذكاء الاصطناعي، بالإضافة لمعسكرات تدريب لتطوير النماذج اللغوية الكبيرة مخصصة للسعوديين. كما أعلنت شركة “أمازون” عن إطلاق أكاديمية رقمية في السعودية لتنمية المواهب في الحوسبة السحابية والذكاء الاصطناعي، في وقت أطلقت المملكة مسرّعة أعمال للذكاء الاصطناعي في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا باستثمارات قيمتها 600 مليون ريال سعودي.

كما أن القطاع التعليمي بات أكثر انخراطاً في هذا المجال. وأصبحت هناك 6 جامعات في المملكة تقدم شهادة تخصص في مجال الذكاء الاصطناعي، فضلاً عن جامعتين تقدمان برامج الماجستير في هذا العلم.

وإذ أشار وهبة إلى واقع أن الجامعات عموماً لا تستطيع مواكبة التطور السريع للذكاء الاصطناعي بسهولة، فإنه لفت إلى دورها الأساسي في إيجاد الأسس التي يتركز عليها القطاع، سواء من خلال “وجود متخصصين يتابعون أحدث التطورات ويستطيعون تقديم المشورة والدعم للشركات، أو تخريج عدد كافٍ من الأشخاص لديهم الأسس المعرفية اللازمة التي تمكنهم من العمل في القطاع، أو حتى ابتكار أفكار جديدة فيه”.

مشاركة:

السياحة في تركيا
Tourism in Turkey
Türkiye'de Turizm